فصل: فَصْلٌ: إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ:

وَإِنْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ أَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْمُسْتَوْفَى دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَوْفِي فَكَانَ إقْرَارُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ.
وَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَقَرَّتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا وَعَلَيْهَا دَيْنُ الصِّحَّةِ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا وَلَا مَالَ لَهَا غَيْرُ الْمَهْرِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ الْمَهْرِ إلَى الْغُرَمَاءِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَارِثُهَا وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثِهِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ الْمَهْرَ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لَهَا فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهَا بِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ مِنْهُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ فَصَحَّ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُضَارِبَ الْغُرَمَاءَ بِنِصْفِ الْمَهْرِ فَيَقُولُ أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَهْرِ مِنِّي وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ نِصْفُ الْمَهْرِ دَيْنًا لِي عَلَيْهَا فَأَنَا أَضْرِبُ مَعَ غُرَمَائِهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهَا بِالِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الزَّوْجِ عَنْ الْمَهْرِ لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ فِي مَالِهَا مَعَ غُرَمَائِهَا؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ دُيُونُ الصِّحَّةِ، وَإِقْرَارُهَا لِلزَّوْجِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِمْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا فَأَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّة لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا.
(أَمَّا) فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَالْوِرَاثَةَ قَائِمَةٌ.
(وَأَمَّا) فِي الْبَائِنِ فَلِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ، وَكَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَزُولُ الْمَنْعُ مَا دَامَ الْمَانِعُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَدَّةِ لِزَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهَا وَعَلَيْهَا دُيُونُ الصِّحَّةِ فَيَسْتَوْفِي أَصْحَابُ دُيُونِ الصِّحَّةِ دُيُونَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِهَا شَيْءٌ يُنْظَرُ إلَى الْمَهْرِ وَإِلَى مِيرَاثِهِ مِنْهَا فَيُسَلَّمُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا وَمَشَايِخُنَا يَقُولُونَ إنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِ.
أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهَا بِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ مِنْ الزَّوْجِ صَحِيحًا فِي حَقِّ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي جَمِيعِ مَا أَقَرَّتْ (وَأَصْلُ) الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرِيضِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِسُؤَالِهَا ثُمَّ يُقِرُّ لَهَا بِمَالٍ أَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَمِمَّا أَقَرَّ لَهَا بِهِ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ ظَاهِرَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ لِيُقِرَّ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهَا فَكَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا زَادَ عَلَى مِيرَاثِهَا فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يَصِحَّ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فِي الْإِقْرَارِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ كَالْحُرِّ، فَكُلُّ مَا صَحَّ مِنْ الْحُرِّ يَصِحُّ مِنْهُ وَمَا لَا فَلَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالْإِبْرَاءِ:

وَأَمَّا إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالْإِبْرَاءِ بِأَنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ كَانَ أَبْرَأَ فُلَانًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِبْرَاءِ لِلْحَالِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْقَبْضِ فَيَمْلِكُ الْإِخْبَارَ عَنْهُ بِالْإِقْرَارِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ:

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ بِالْوَارِثِ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا إقْرَارُ الرَّجُلِ بِوَارِثٍ وَالثَّانِي إقْرَارُ الْوَارِثِ بِوَارِثِهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَانِ: حُكْمُ النَّسَبِ وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فَلِصِحَّتِهِ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ شَرَائِطُ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مُحْتَمِلَ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ فَإِذَا اسْتَحَالَ كَوْنُهُ فَالْإِخْبَارُ عَنْ كَائِنٍ يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا، وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَمِثْلُهُ لَا يَلِدُ مِثْلَهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ فَكَانَ كَذِبًا فِي إقْرَارِهِ بِيَقِينٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُقَرُّ بِنَسَبِهِ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُ ثُبُوتَهُ لَهُ بَعْدَهُ، وَمِنْهَا تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ بِنَسَبِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ يَدِهِ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِعَيْنِهِ بَلْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوْ التُّهْمَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ، أَمَّا التَّعَلُّقُ فَظَاهِرُ الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ التَّعَلُّقُ فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ وَكَذَلِكَ مَعْنَى التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ النَّسَبِ فَإِنَّ لِحِرْمَانِ الْإِرْثِ أَسْبَابًا لَا تَقْدَحُ فِي النَّسَبِ مِنْ الْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ بِنَسَبِهِ أَوْ صَدَّقَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِهِ شَهَادَةٌ أَوْ دَعْوَى وَالدَّعْوَى الْمُفْرَدَةُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَالْإِقْرَارُ الَّذِي فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى أَوْ شَهَادَةً وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِخَمْسَةِ نَفَرٍ: الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى، وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ حَمْلُ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَلَاءِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبٍ إلَى أَحَدٍ وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ لابد مِنْ التَّصْدِيقِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُقِرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ الزَّوْجِ يَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَمَاتَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّصْدِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَصِحُّ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ كَمَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ النِّكَاحَ لِلْحَالِ عَدَمٌ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّصْدِيقِ إلَّا أَنَّهُ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْبَقَاءِ لِاسْتِيفَاءِ أَحْكَامٍ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْمِيرَاثُ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ زَائِلًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَلَدِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَلُ لَكِنْ لابد مِنْ التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ لِمَا قُلْنَا، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَلُ وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ تَشْهَدُ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ الْوَلَدِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعَمِّ وَالْأَخِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فِي حَقِّ حُكْمِ الْمِيرَاثِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا إلَّا شَرْطَ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ الْمُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ أَصْلًا وَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا وَيَكُونَ مِيرَاثُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ وَاجِبُ التَّصْحِيحِ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَمْكَنَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَصْلًا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَمِيرَاثُهُ لِعَمَّتِهِ أَوْ لِخَالَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُمَا وَارِثَانِ بِيَقِينٍ فَكَانَ حَقُّهُمَا ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ ابْنِ ابْنٍ وَلَهُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ثُمَّ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ لِانْعِدَامِ الرُّجُوعِ حَقِيقَةً فَبَقِيَ الْعَقْدُ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَكِنَّهُ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ الْمُقَرِّ بِهِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ فِي زَعْمِهِ وَظَنِّهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لَكِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ آخِرُ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَأَضْعَفُ الْوِلَاءَيْنِ لَمَّا مَنَعَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بَعْدَ الْإِنْكَارِ بِمَالِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ مِنْهُ رُجُوعٌ، وَالرُّجُوعُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً فِي الْحَقِيقَةِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ وَلَوْ أَنْكَرَ وَلَيْسَ هُنَاكَ مُوصًى لَهُ بِالْمَالِ أَصْلًا فَالْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ أَصْلًا بِالرُّجُوعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا وَإِمَّا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ هَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ إقْرَارَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مَقْبُولًا فِي حَقِّ النَّسَبِ كَإِقْرَارِ الْجَمَاعَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُخُوَّةِ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَإِقْرَارُ الْوَارِثِ الْوَاحِد بِوَارِثٍ يَصِحُّ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُخُوَّةِ إقْرَارٌ بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ دَعْوًى فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالْإِقْرَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ الْوَاحِدُ مَقْبُولًا بِجِهَةٍ غَيْرَ مَقْبُولٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ وِلَايَةِ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَعَلَى ذَلِكَ هاهنا جَازَ أَنْ يُقْبَلَ الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ.
وَلَوْ أَقَرَّ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَهَا مَعَ الْأَخِ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ فَلَهَا ثَمَنُ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ فَلَهَا سُدُسُ مَا فِي يَدِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا فِي يَدِهِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَا لَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَوْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِابْنِ ابْنٍ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُ لَكِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ابْنَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمَالُ كُلُّهُ لَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى إثْبَاتِ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ وَاخْتَلَفَا فِي وِرَاثَةِ الْمُقِرِّ فَيَثْبُتُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَيَقِفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ (وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنَّمَا اسْتَفَادَ الْمِيرَاثَ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَوْ بَطَلَ إقْرَارُهُ لَبَطَلَتْ وِرَاثَتُهُ وَفِي بُطْلَانِ وِرَاثَتِهِ بُطْلَانُ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِابْنَةٍ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَتْهُ لَكِنَّهَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ابْنَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِأَخٍ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَصَدَّقَهَا الْأَخُ وَلَكِنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ هِيَ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ إثْبَاتُ الزَّوْجِيَّةِ بِالْبَيِّنَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-
الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهَا وَلَوْ أَقَرَّ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ بِأَخٍ لَهَا وَصَدَّقَهُ الْأَخُ لَكِنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ زَوْجُهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قِيَاسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَوَجْهُهُ) أَنَّ النِّكَاحَ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْإِقْرَارُ بِسَبَبٍ مُنْقَطِعٍ لَا يُسْمَعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْأَخُ الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ شَارَكَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ كَمَا إذَا أَقَرَّا جَمِيعًا لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَذَّبَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ أَوَّلًا نِصْفَيْنِ فَيُدْفَعُ النِّصْفُ إلَى الْأَخِ الْمُنْكِرِ وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَيُقْسَمُ بَيْنَ الْأَخِ الْمُقِرِّ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ نِصْفَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُقِرِّ وَثُلُثُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ (وَجْهُ) قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثٌ وَأَنَّ ثُلُثَ الْمُقَرِّ لَهُ نِصْفُهُ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهُ فِي يَدِ أَخِيهِ الْمُنْكِرِ عَلَى الشُّيُوعِ إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى أَخِيهِ لَا يَنْفُذُ فِيمَا فِي يَدِ أَخِيهِ فَيَنْفُذُ فِيمَا فِي يَدِهِ فَيُعْطِيهِ ثُلُثَ ذَلِكَ.
(وَلَنَا) أَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ بِنَسَبِهِ فِي الْمِيرَاثِ حَقُّهُ وَأَنَّ الْمُنْكِرَ فِيمَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ النِّصْفُ التَّامُّ ظَالِمٌ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ فَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبْعُ الْمَالِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأُخْتٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَيُقْسَمُ الْمَالُ أَوَّلًا نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، النِّصْفُ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ ثُمَّ يُقْسَمُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَخِ الْمُقِرِّ وَأُخْتِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِينَا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا فَتُصَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ فَتَضْرِبُ سَهْمَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ فَتَصِيرُ سِتَّةَ عَشَرَ لَهَا ثُمُنُهَا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَلَهَا تُسْعُ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ فِي أَنَّ زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ ثُمُنَ مَا فِي يَدَيْ الْأَخَوَيْنِ إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ صَحَّ فِيمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَإِذَا صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُعْطِيهَا ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ (وَجْهُ) قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ ثُمُنَ التَّرِكَةِ لَهَا وَسَبْعَةَ أَثْمَانِهَا لَهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ، أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَقِسْمَتُهَا مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ الْأَخَ الْمُنْكِرَ فِيمَا يَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ ظَالِمٌ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ وَيُقْسَمُ النِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا وَيُجْعَلُ مَا يَحْصُلُ لِلْمُقِرِّ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ مِنْ ذَلِكَ لَهَا وَسَبْعَةُ أَسْهُمٍ لَهُ، وَإِذَا جُعِلَ هَذَا النِّصْفُ عَلَى تِسْعَةٍ صَارَ كُلُّ الْمَالِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: تِسْعَةٌ مِنْهَا لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ وَسَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةُ أَسْهُمٍ لِلْأَخِ الْمُقِرِّ هَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِوَارِثٍ وَاحِدٍ.
فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ بَعْدَ وَارِثٍ بِأَنْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِوَارِثٍ آخَرَ فَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إنْ صَدَّقَ الْمُقِرُّ بِوِرَاثَةِ الْأَوَّلِ وَفِي إقْرَارِهِ بِالْوِرَاثَةِ لِلثَّانِي فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ دَفَعَ نَصِيبَ الْأَوَّلِ إلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ، وَيُقْسَمَانِ عَلَى مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يَضْمَنُ وَيُجْعَلُ الْمَدْفُوعُ كَالْقَائِمِ فِي يَدِهِ فَيُعْطَى الثَّانِي حَقَّهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ.
بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِيمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الْمِيرَاثِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْإِخْوَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَمَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِمَّا إنْ أَقَرَّ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلِلثَّانِي رُبْعُ الْمَالِ وَيَبْقَى فِي يَدِ الْمُقِرِّ الرُّبْعُ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ فِي الْقَضَاءِ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا فِي الدَّفْعِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الثَّانِيَ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ رُبْعُ الْكُلِّ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَالِ صَارَ مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ إلَيْهِ وَالْمُسْتَحَقُّ كَالْمَصْرُوفِ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَعْطَى الثَّانِيَ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّفْعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَالْمَضْمُونُ كَالْقَائِمِ فَيَدْفَعُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ الثُّلُثُ فَإِنْ دَفَعَ ثُلُثَ الْمَالِ إلَى الثَّانِي بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ وَكَذَّبَهُ الثَّالِثُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَوَّلَيْنِ أَخَذَ الثَّالِثُ مِنْ الِابْنِ الْمَعْرُوفِ رُبْعَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَالِ قَائِمٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الدَّافِعِ فَيَأْخُذُ السُّدُسَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَنِصْفَ سُدُسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْأَوَّلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الثَّالِثِ فَيَضْمَنُ لَهُ قَدْرَ نِصْفِ سُدُسٍ فَيَدْفَعُهُ مَعَ السُّدُسِ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَإِنْ صَدَّقَهُ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ اشْتَرَكُوا فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ بِوِرَاثَتِهِ الْأَوَّلُ فَنِصْفُ الْمَالِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْوِرَاثَةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ الْمُقَرِّ بِوِرَاثَتِهِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَكَانَ النِّصْفُ لِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِنْ كَذَّبَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ دَفَعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ رُبْعُ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِي حُكْمِ الْهَالِكِ فَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمُنُ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ يُعْطِي الثَّانِيَ مِمَّا فِي يَدِهِ وَهُوَ رُبْعُ الْمَالِ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ مَضْمُونٌ عَلَى الدَّافِعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الرُّبْعُ كَالْقَائِمِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأُخْتٍ وَدَفَعَ إلَيْهَا نَصِيبَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِأُخْتٍ أُخْرَى وَكَذَّبَهُ الْأَخُ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْأُخْتُ الْأُولَى فَنِصْفُ الْمَالِ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ وَالنِّصْفُ بَيْنَ الْأَخِ الْمُقِرِّ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا نَصِيبَهَا وَهُوَ ثُلُثُ النِّصْفِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْكُلِّ بِقَضَاءٍ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْمُقِرِّ وَبَيْنَ الْأُخْتِ الْأُخْرَى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَدْفُوعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الدَّافِعِ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِي لِلْأُخْتِ الْأُخْرَى مِمَّا فِي يَدِهِ نِصْفَ رُبْعِ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ إتْلَافٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِأُخْتَيْنِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ لَهُمَا رُبْعُ جَمِيعِ الْمَالِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الثُّمُنُ كَذَلِكَ هاهنا يُعْطِي الْأُخْتَ الْأُخْرَى مِمَّا فِي يَدِهِ نِصْفَ رُبْعِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِامْرَأَةٍ لِأَبِيهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِأُخْرَى فَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا مَعًا فَذَلِكَ التُّسْعَانِ لَهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الزَّوْجَاتِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأُولَى وَدَفَعَ إلَيْهَا ثُمَّ بِالْأُخْرَى فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْأُولَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالنِّصْفُ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ وَتُسْعَانِ لِلْأُولَى فَبَقِيَ هُنَاكَ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَرْأَةُ الْأُخْرَى فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ دَفَعَ التُّسْعَيْنِ إلَى الْأُولَى بِالْقَضَاءِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ وَيُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الِابْنِ الْمُقِرِّ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ: ثُمُنٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةٌ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ يُعْطِي مِنْ التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ سَهْمًا لِلْمَرْأَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ سُبُعُ نِصْفِ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الْمَالِ عِنْدَهُ قَائِمًا يُعْطِي الْأُخْرَى التُّسْعَ وَذَلِكَ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ثُمُنُ الْمَالِ لِلْمَرْأَتَيْنِ جَمِيعًا، وَالثُّمُنُ هُوَ تُسْعَانِ تُسْعٌ لِلْأُولَى وَتُسْعٌ لِلْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الْأُولَى ظَلَمَتْ حَيْثُ أَخَذَتْ زِيَادَةَ سَهْمٍ، وَذَلِكَ الظُّلْمُ حَصَلَ عَلَى الْأَخِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَيَدْفَعُ التُّسْعَ الثَّانِي إلَى الْأُخْرَى وَهُوَ سُبْعُ نِصْفِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهُوَ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَعْرُوفًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فِي يَدِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَدَفَعَ إلَى الْغَرِيمِ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعِ مَجْبُورٌ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَضْمَنُ لِلثَّانِي نِصْفَ الْمَالِ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الدَّفْعِ فَكَانَ إتْلَافًا فَيَضْمَنُ، كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُمَا ثُمَّ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَسْت بِأَخٍ لِي وَإِنَّمَا أَخِي هَذَا الرَّجُلُ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ النِّصْفَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِهِ فَيَقْتَسِمَانِ نِصْفَيْنِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّفْعَ بِقَضَاءٍ فِي حُكْمِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَدْفَعُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَالِ إلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ وَدَفَعَ إلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ وَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ الثَّانِي دَيْنَ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْغَرِيمِ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يُصَدِّقُهُ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ لَهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْغَرِيمُ الثَّانِي لِغَرِيمٍ ثَالِثٍ فَإِنَّ الْغَرِيمَ الثَّالِثَ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَنْتَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ أَخًا لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لِلْمُقَرِّ بِهِ: أَنَا وَأَنْتَ أَخَوَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَلِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ بِهِ الدَّيْنَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الدَّيْنِ دَعْوَى أَمْرٍ عَارِضٍ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ بِذَلِكَ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُمَا بِذَلِكَ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَكَذَّبَاهُ فِيمَا أَقَرَّ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ مُؤَخَّرَانِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمِيرَاثُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَدَفَعَ إلَيْهِمَا ثُمَّ أَقَرَّ لِلْغَرِيمِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُضَمِّنَهُ مَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ فَإِذَا دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ أَتْلَفَ عَلَى الْغَرِيمِ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ ثَبَتَ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْمِيرَاثُ بِالْبَيِّنَةِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْغَرِيمِ فِيمَا دَفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ أَوْ مُوصًى لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْغَرِيمِ وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ لِمَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.